إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)
ولأن الملائكة لا يستكبرون، وهو قد استكبر، وهو قد خلق مما خلق منه الجن، كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنه:
(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) .
ثانيهما: أنه كان من الملائكة، لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، ولأن الظاهر من هذه الآية وأمثالها أنه منهم، قال البغوي وهو الأصح، وقال في التيسير:
إن وصف الملائكة بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم دليل على تصور العصيان منهم، ولولا ذلك ما مدحوا به، لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف، وطاعة البشر تكلف ومتابعة الهوى منهم طبع، ولا يستنكر من الملائكة تصوّر العصيان، فقد ذكر عن هاروت وماروت ما ذكر، وليس هناك دليل على أن بين الملائكة والجن فروقا جوهرية بها يمتاز أحدهما من الآخر، بل هى فروق في الأوصاف فقط، والجميع من عالم الغيب لا نعلم حقائقها ولا نضيف إليها شيئا إلا إذا ورد به نص عن المعصوم.
(أَبى وَاسْتَكْبَرَ) أي امتنع عما أمر به من السجود، وأظهر كبره وترفع عن الحق زعما منه أنه خير من الخليفة عنصرا، وأزكى جوهرا كما قص ذلك عنه (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فهو الأحق بالرياسة.
(وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي وصار من الكافرين برفض الإذعان لأمر الله لزعمه أنه أفضل منه، والأفضل لا يحسن أن يخضع لمن دونه.